هناك قول شائع بين العاملين في صناعة التأمين أن "التأمين سلعة تباع ولا تشترى" وتعمل الصناعة ككل جاهدة لكي تعكس هذه الديناميكية: فأي منتج أو خدمة ذات قيمة مستدامة للعميل يجب أن يحرص على شرائها.

أن العملاء الذين اعتدنا أن نبيعهم التأمين في الاقتصادات الناشئة هم في قمة الهرم الاقتصادي، وفي أحسن الأحوال في الجزء العلوي من الطبقة الوسطى، وأسفل هذه الطبقة توجد الطبقات المحرومة من خدمات التأمين والذين هم في أمس الحاجة للحماية.

وفي غياب آليات الحماية الرسمية، يتبع السكان الأكثر ضعفا استراتيجيات غير رسمية لإدارة المخاطر التي تواجههم اعتماداً على مضاعفة مصادر إيراداتهم ومدخراتهم أو لجوئهم إلى القروض التي يحصلون عليها من أسرهم ومجتمعاتهم. إلا أن هذه الاستراتيجيات لها حدود، فالإدارة غير الرسمية للمخاطر أقل كفاءة بعشرة أضعاف من آليات الحماية الرسمية، ويمكن نتيجة لتحقق اى من الاخطار أن يجبر الأسر على بيع بعض أصولهم المنتجة، أو إخراج أطفالهم من المدارس.

هذا هو الواقع بالنسبة للغالبية العظمى من سكان 7 من أصل 10 أسواق من الأسواق الناشئة. ففي الهند على سبيل المثال، بينما يغطي نظام التأمين الصحي الحكومي حوالي 15٪ من حاملي بطاقات أقل من خط الفقر، فإن التأمين الصحي الخاص مقصور على أعلى من (5% - 10٪) من السكان، مما يترك فجوة هائلة دون حماية ويهدد الطبقة الوسطى.

 لذا فقد أصبح العالم الآن يتجه لتوسيع فرص الوصول إلى التأمين، وقد حققت الصناعة خطوات كبيرة في هذا المجال مقارنةً بعشر سنوات أو حتى خمس سنوات مضت بفضل زيادة انتشار الهواتف المحمولة، وارتفاع مستوى التعليم وخاصة بالنسبة للنساء - وتركيز الحكومات على تحقيق الشمول المالي. وأصبح تأمين الطبقة الوسطى فرصة حقيقية في الأسواق الناشئة، فأصبحت العديد من شركات التأمين الرائدة تركز بشكل متزايد على خدمة هذا القطاع من خلال مبادرات متنوعة، بما في ذلك نماذج أعمال جديدة مبتكرة، والاستثمار في شركات Insurtech والتعاون معها.

ما هو الشمول التأميني، وما أهميته؟

يمثل المستهلكون في الأسواق الناشئة سوقاً واعدة للتأمين. وتعمل شركات التأمين منذ سنوات على تطوير برامج مبتكرة للوصول إلى هذا السوق. وقد أظهرت حركة التأمين متناهي الصغر منذ التسعينيات أهمية التأمين للأشخاص ذوي الدخل المنخفض، فضلا عن استكشاف نماذج تجارية جديدة لخدمة هؤلاء العملاء بشكل مربح في الأسواق النامية.

واستهدف رواد التأمين متناهي الصغر، وكذا برامج التأمينات الاجتماعية العملاء الذين ينتمون للاقتصاد غير الرسمي، والذين يعانون من نقص خدمات التأمين التجاري الأساسية. ولاقت نماذج التأمين متناهي الصغر قبولاً لدى هذه المجموعات لملاءمة أقساطها وفوائدها لاحتياجاتهم.

واليوم، يوسع الشمول التأميني من نطاق هذا السوق ويطور العمل به ليشمل جميع الذين لم يخدمهم التأمين التقليدي، بما في ذلك الطبقة المتوسطة والدنيا، مع التركيز بشكل خاص على الأفراد الضعفاء وذوي الدخل المنخفض ويعرّف الشمول التأميني بأنه الوصول إلى منتجات التأمين المناسبة وبأسعار معقولة واستخدامها من قبل المحرومين من خدمات التأمين أو الذين يعانون من نقص خدمات التأمين، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الضعيفة وذات الدخل المنخفض. بغض النظر عن الهدف الذي يسعى إليه طالب التأمين، وقد بدأت شركات التأمين التقليدية والجديدة على حد سواء تفتح أسواقاً جديدة من خلال تبني برامج وتقنيات وتصميم منتجات جديدة لخدمة تلك الفئات.

ويمكن للتأمين أن يكون أداة حيوية لإدارة المخاطر المالية حتى بين الأشخاص ذوي الدخل المنخفض للغاية، وذلك عن طريق مساعدة الأشخاص المنتمين لقاعدة الهرم الاقتصادي على إدارة ضغوط المرض أو فشل المحاصيل أو الكوارث الطبيعية أو فقدان الدخل بسبب وفاة أحد المعيلين للأسرة. وتساعد منتجات التأمين على مواجهة الأشخاص للصدمات، كما يمكن أن تحفزهم على الاستثمار لتجنب تلك الصدمات قبل حدوثها، أو لتخفيفها بمجرد حدوثها. فعلى سبيل المثال، يشجع التأمين الصحي الأشخاص ذوي الدخل المنخفض على زيارة الطبيب، مما يؤدي إلى انخفاض معدل وفيات الأمهات والرضع. كما يمكن للمزارعين الذين لديهم تأمين أن يتأهلوا في كثير من الأحيان للحصول على ائتمان يسمح لهم بشراء بذور ذات نتائج أعلى ومقاومة للجفاف - بحيث إذا تعرضوا للجفاف، يمكنهم تجنب بيع ما يمتلكون من أصول ثمينة. كمايمكن أن يساعد التأمين العائلات على تجنب اللجوء إلى استراتيجيات المواجهة الحادة عندما يتعرضون لصدمة، مثل إخراج الأطفال من المدارس ودفعهم إلى سوق العمل.

سوق الشمول التأميني، سوق واسع غير مستغل إلى حد كبير والذي يحتمل أن يكون مربحاً ليس بسبب اعتماده على الأعداد الكبيرة لأولئك الذين لا يحصلون على خدمات التأمين أو الذين يعانون من نقص هذه الخدمات فقط، ولكن أيضاً نتيجة لتزامن ذلك مع ارتفاع دخل الأفراد في الأسواق الناشئة، واستخدام التكنولوجيا التي أدت إلى تخفيض تكلفة توزيع منتجات التأمين وقياس المخاطر.

هذه الاتجاهات معاً خلقت سوقاً مستهدفاً كبيراً نوضحه فيما يلي:

أولاً: سوق الشمول التأميني

تزداد ثقة مقدمي الخدمات المالية في ضخامة حجم سوق الشمول التأميني. وتوفر البيانات الحالية بعض الأدلة حول حجم هذا السوق. ورغم أن القيمة التقديرية للأقساط في هذا السوق ليست كبيرة مقارنة بقطاع التأمين العالمي، فإن فرص نموها متزايدة وجديرة بالملاحظة.

ومن أهم سمات هذا السوق:

1.    تختلف تقديرات حجم سوق الشمول المالي المحتمل، وتؤكد الأدلة باستمرار تنامى حجمه، نظراً لارتفاع مستوى دخل الأفراد في الأسواق الناشئة. وتشير أحد التقديرات إلى أن سوق الشمول التأميني المحتمل يبلغ حوالي 3.8 مليار شخص في الأسواق الناشئة على مستوى العالم (شكل 1).

وداخل هذا السوق الواسع، بدأت شركات التأمين في متابعة القطاعات الأكثر قابلية للاستجابة، لا سيما تلك التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة الناشئة سريعة النمو، وهي مجموعة من الأسر التي لم تعد فقيرة، ولكنها لا تزال عرضة للخطر، والتي أصبحت في وقت قصير تشكل أكبر شريحة من سكان العالم.

شكل 1: حجم السوق العالمي لعملاء الشمول التأميني

2.    أوشك سوق الشمول التأميني على تحقيق توازن جديد، أكثر شمولية وذلك نتيجة للتعرف بشكل أفضل على احتياجات المستهلكين ذوي الدخل المنخفض. فعلى سبيل المثال، ساعدت قنوات الإنترنت والهواتف المحمولة على خفض تكاليف التوزيع، كما ساهمت تكنولوجيا البيانات في تغيير طبيعة المخاطر من خلال تطبيق طرق جديدة لإنشاء المعلومات والتقاطها وتحليلها مما يمكن أن يساعد شركات التأمين على حساب وإدارة المخاطر المرتبطة بأنواع جديدة من العملاء بشكل أفضل.

3.    يرى المستهلكون في الأسواق الناشئة أن بعض المنتجات التأمينية أسهل في الوصول إليها واستخدامها مقارنة بغيرها من المنتجات. حيث تؤكد البيانات أن بعض المنتجات معروضة بسهولة أكثر من غيرها. وتعكس الإحصائيات هذا التباين، حيث يسيطر التأمين على الحياة والحوادث والائتمان على سوق الشمول التأميني، بالرغم من وجود منتجات واعدة أخرى.

وصف السوق

هناك اتفاق واسع على أن السوق المستهدف للشمول التأميني على مستوى العالم في حالة نمو مستمر ولديه القدرة على تغطية ما يصل إلى 3.8 مليار شخص من خلال حلول مبتكرة لنقل المخاطر القائمة في السوق وتحقيق شراكات بين القطاعين العام والخاص

شكل 2: تغطية التأمين متناهي الصغر على مستوى العالم

ما زال معظم هذا السوق غير مستغل على الرغم من أن التأمين ينمو بين الطبقات العليا في الأسواق الناشئة. فوفقًا لـ Swiss Re، شكلت أقساط التأمين في الأسواق الناشئة 19.7% من أقساط التأمين العالمية في عام 2016. وشهد عام 2016 زيادة بنسبة 14% في أقساط التأمين المكتتبة في الأسواق الناشئة عموماً، مقارنة بنسبة نمو بلغت 9.8% في العام السابق، على الرغم من أن معظم أقساط التأمين تأتي من الطبقات العليا في الهرم الاقتصادي.

بلغ إجمالي أقساط التأمين في الأسواق الناشئة إجماليًا 934 مليار دولار بحلول نهاية عام 2016. ويتسق النمو المتوقع في التأمين الشامل مع النمو المرتفع في التأمين في الأسواق الناشئة عموماً، لكن هذا النمو بدأ من مستوى منخفض. وتُظهر أحدث التقديرات حول سوق التأمين متناهي الصغر أن 600 مليون شخص مؤمن عليهم حالياً (أقل من 20٪ من إجمالي السكان المؤمن عليهم). ورغم أن الشمول التأميني لم يغط إلا جزء صغير من السوق المحتملة، إلا أنه ينمو ويكتسب زخماً.

فهناك فجوة ملحوظة بين إمكانية الوصول إلى خدمات التأمين في الأسواق الناشئة، والوصول إلى العملاء في الأسواق ذات الدخل المرتفع، وتتخذ هذه الفجوة كمعيار لتقدير السوق المستهدف. وتُظهر قاعدة البيانات الوطنية للكوارث في Swiss Re أن الأسواق ذات الدخل المرتفع قامت بتغطية 42% من الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية عن طريق التأمين. في المقابل، في الأسواق الناشئة، لم يتم تغطية سوى 11% من الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية عن طريق التأمين. وتشير هذه الأرقام إلى فرص نمو كبيرة.

ثانياً: عوائق الشمول التأميني:

لماذا لا يخدم التأمين فئة كبيرة من الناس؟

معظم سكان هذا العالم مستبعدون من أسواق التأمين اليوم. على الرغم من أن قطاع (إعادة) التأمين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) وحدها لديه حوالي 23 تريليون دولار من الأصول الخاضعة لإدارته (أي حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي)، إلا أن مدى تغلغل التأمين يختلف بشكل كبير عبر بلدان العالم، من 36٪ (جزر كايمان) إلى 0.04٪ (غينيا). ولكن نظراً لأن تغلغل التأمين يعكس في الغالب الأنشطة التجارية والصناعية والهندسية والتعدينية في البلدان النامية، فإن هذا المؤشر لا يلقي سوى القليل من الضوء على استخدام شرائح الأسر للتأمين، ومن الصعب حالياً تحديد عدد الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى التأمين والاستفادة من خدماته. ذلك لأن شركات التأمين تفصح عن حجم أقساط التأمين للمستثمرين وهيئات الرقابة والجمهور، ولكنها عادة لا تفصح عن عدد وثائق التأمين السارية أو المكتتبة خلال فترة معينة، وهي أقل بكثير من عدد الأفراد الذين يحملون هذه الوثائق.

وقد نشر صندوق النقد الدولي عام 2015 دراسة عن عدد "حاملي الوثائق في شركات التأمين" شملت 22 دولة، وأظهرت الدراسة أن 10٪ من السكان في بنجلاديش لديهم تأمين، وكذلك 4٪ من سكان رواندا، 1٪ من سكان منغوليا، و0.7٪ من سكان غينيا.

وعلى الرغم من اختلاف الأسباب من دولة لأخرى، إلا أن هناك عدداً من العوامل الشائعة التي تفسر انخفاض نسبة التأمين وخاصة بين الفئات المستضعفة التي يتوقع أن تستفيد أكثر من وسائل إدارة المخاطر المناسبة في نضالها ضد الفقر، ويجب علينا فهم هذه الأسباب لنعرف كيف أن الاستخدام المناسب للتكنولوجيا كتلك التي تقترحها مشاريع Insurtech لديه القدرة على التغلب على هذه العوائق.

ويمكن تلخيص عوائق الشمول التأميني فيما يلي:

1.     ضعف القوة الشرائية: يمكن للأشخاص ذوي الدخل المنخفض إنفاق القليل على التأمين. وهم بحاجة إلى تغطية تأمينية أقل، حيث إن القيمة الإجمالية لأصولهم قليلة، وكذلك فقدان الدخل بسبب الوفاة أو العجز. لكن قابلية زيادة أقساط التأمين محدودة: في حين أن مبالغ التأمين القليلة تترجم إلى أقساط منخفضة نسبيًا، فإن الهوامش التي تحتاج إليها شركات التأمين تضيفها للمصروفات الإدارية ومصروفات التوزيع والمصروفات الأخرى لا يمكن تخفيضها بقدر كبير، حيث يوجد حد أدنى للتكاليف الادارية والتسويقية المتكبدة.

2.     الفهم المحدود للتأمين: تُظهر العديد من الدراسات الاستقصائية في البلدان النامية أن معظم السكان في تلك البلدان لم يحصلوا على أي تأمين، ولم يسمعوا به من قبل، أو أنهم أساءوا فهمه. وعلى الرغم من الجهود المتزايدة نحو محو الأمية المالية للسكان على نطاق أوسع، فإن هذا الوضع لم يتغير كثيراً. فغالباً ما ينصب تركيز استراتيجيات الشمول المالي وجهود محو الأمية المالية بشكل أساسي على المنتجات المصرفية - القروض والمدخرات وأنظمة الدفع - والتي تعد ذات صلة مباشرة بمعظم الناس وأسهل فهماً وأسهل في تقديمها. فهي قابلة للمقارنة مع الآليات غير الرسمية التي يستخدمها معظم الأشخاص الذين لا يملكون حسابات بنكية إذا أرادوا الادخار أو الاقتراض. على النقيض من ذلك، يعد التأمين مفهوماً مجرداً ولا يرتبط مباشرة بمختلف آليات المشاركة في المخاطر بصورة غير رسمية التي تستخدمها المجتمعات منخفضة الدخل.

3.     ضعف الثقة في التأمين: برغم افتقار الكثير من الأفراد للخبرة المباشرة أو الشخصية في مجال التأمين، فإن نظرتهم إليه ما زالت سلبية. فمن الصعب فهم غضب حملة الوثائق وعدم رضاهم عن خدمة مطالبات شركات التأمين الخاصة التي يتعاملون معها – وخاصة فيما يتعلق بالتأمينات الإلزامية، على سبيل المثال للسيارات أو الدراجات النارية - فمن الصعب الحكم على الأمر بالنسبة لشخص لديه فهم محدود لأساسيات التأمين.

وفي البلدان التي كانت فيها شركات التأمين شركات احتكارية حكومية، لطالما شوهت سنوات الخدمة السيئة سمعة التأمين لدرجة أنه حتى بعد إلغاء الاحتكار، ما زالت هذه الأسواق تواجه صعوبة في إعادة بناء الثقة.   وتعتبر الأسر ذات الدخل المنخفض ضحية متكررة لعمليات الاحتيال المالية التي تستغل انتشار الأمية المالية في هذه المجتمعات، لذلك فهم دائماً يشعرون بالحذر تجاه التأمين. وغالباً ما تضيف عمليات التأمين التي يتم التعامل معها بشكل سيء تجاه الأسر ذات الدخل المنخفض المزيد من الإحباط والريبة.  على سبيل المثال عندما يتخلى وسطاء التأمين عن المجتمعات الريفية ويتوقفون عن تحصيل أقساط التأمين (مما يؤدي إلى إلغاء الوثيقة)، أو عند استخدام قنوات التوزيع البديلة مثل شبكة الهاتف المحمول وفشل القائمين على النظام في شرح ميزات المنتج للمستخدمين. وأخيراً، أن المنهج التقليدي لتسويق التأمين لا يسعى إلى التفاعل مع العملاء بانتظام؛ بدلاً من ذلك، يتم الاتصال بهم مرة واحدة في السنة لتذكيرهم بدفع القسط السنوي. إن ثقافة ما بعد البيع المتخلفة هذه لا تسهم في تعزيز ثقة المشترين المتشككين الذين يتعاملون مع التأمين لأول مرة.

4.     المنتجات غير المناسبة نظراً لافتقار البلدان النامية إلى الموارد والإحصاءات الاكتوارية، فإن منتجات التأمين التي تباع فيها كثيراً ما تتشابه مع المنتجات التي يتم بيعها في الأسواق المتقدمة. وقد تصلح هذه الطريقة مع الفئات الاجتماعية والاقتصادية العليا، والأشخاص الذين يملكون سيارات أو منازل حضرية تحمل سندات ملكية، كما يصلح مع العمالة الرسمية. لكنها لا تصلح مع الأشخاص ذوي الدخل المنخفض، الذين لا يمكن تلبية احتياجاتهم من التأمين من منتجات مستوحاة من الولايات المتحدة أو ألمانيا، ولا مع نفس المنتجات المحلية "التي تم تقليص حجمها" إلى قسط منخفض. بل يجب تطوير منتجات التأمين الشامل مع فهم جيد لظروف واحتياجات السكان المستهدفين ومع الاستفادة من الخبرة التأمينية والإكتوارية. وبغير ذلك لن تتلاقي منتجات التأمين متناهي الصغر مع الطلب عليها.

5.     طرق التوزيع غير الملائمة: يعتبر التوزيع هو الأكثر أهمية من بين العوامل التى تؤثر على توفير خدمة التأمين التي تحتاج إلى إعادة هندسة لجعل التأمين مناسباً للأشخاص ذوي الدخل المنخفض، من ناحية، فإن تكلفة طريقة التوزيع التقليدية لكل وثيقة - وخاصة الوكلاء والوسطاء - تجعلها غير مستدامة للوثائق ذات الأقساط المنخفضة. ما لم تشكل العمولة حصة غير متناسبة من القسط، فلن تكون هذه القنوات قادرة على خدمة العملاء الناشئين بموجب طريقة التوزيع التقليدية، حيث لا يمكن مكافأة جهودهم على النحو المناسب.

من ناحية أخرى، يجب استرداد تكلفة الاستثمار المقدمة (في تطوير المنتجات والمواد التسويقية وما إلى ذلك) من عدد كبير جداً من الوثائق عندما يكون لكل منها قسط منخفض، مما يجعل التأمين متناهي الصغر مثالاً على نماذج الأعمال ذات الهامش المنخفض والحجم الكبير. ولكن لتحقيق الحجم الكبير، يجب استخدام طرق توزيع فعالة للغاية مما يتطلب عادةً الشراكة مع أطراف ثالثة.

ومما يثير الدهشة، أن مشروعات InsurTech في الأسواق المتقدمة تواجه بقيود مماثلة. حتى في الولايات المتحدة وأوروبا، يظل استخدام التأمين أقل كثيراً من إمكاناته، لأن أعداداً كبيرة من الناس لا يثقون في نماذج أعمال التأمين التقليدية، ولا يجدون احتياجاتهم تنعكس في المنتجات والإجراءات الحالية. لا تهدف معظم مقترحات InsurTech إلى وصول التأمين للأشخاص المستبعدين حالياً من أسواق التأمين الرسمية، ولكن تركز على الأشخاص الذين اختاروا طوعاً أن يبتعدوا عن التأمين التقليدي بصورته الحالية. ولكن إذا نجحت مشروعات InsurTech في الوصول لتلك الفئة البعيدة عن التأمين، فيجب عليهم أيضاً التغلب على العوائق التي تحول دون الشمول التأميني.

ثالثاً: دور التكنولوجيا في تيسير الوصول إلى السكان المحرومين من خدمات التأمين

من أهم نتائج التطورات التي طرأت على التكنولوجيا المستخدمة في صناعة التأمين InsurTech هو القدرة على زيادة التغطيات المقدمة للعملاء من ذوي الدخول المنخفضة. ففي الماضي، كان من الصعب على شركات التأمين خدمة الطبقات ذات الدخل المنخفض وخاصة في البلدان النامية. كل ذلك أصبح في طريقه للانتهاء بفضل الابتكار – وخاصة تكنولوجيا البيانات الجديدة وانتشار الهواتف المحمولة – مما أتاح فرصاً جديدة لجعل التأمين أكثر سهولة في الوصول إلى الأفراد غير المؤمن عليهم والمحرومين من خدمات التأمين.

شفافية المخاطر Risk Transparency

أدت القدرة المتنامية لصناعة التأمين على استخدام التكنولوجيا لقياس ومراقبة وتحليل البيانات باستمرار وفي الوقت الفعلي إلى تحقيق فهم أكثر شمولاً للخطر. مما أدى إلى توفير الفرص أمام شركات التأمين للاكتتاب في وثائق لم يكن بالإمكان تغطيتها بشكل مربح في الماضي، وابتكار منتجات جديدة أو تعديل منتجات قائمة. وأصبحت شركات التأمين الآن قادرة على توسيع نطاق التأمين ليضم شرائح جديدة من السكان.

ومع تطور تكنولوجيا البيانات، ستكون شركات التأمين قادرة على الوصول إلى شريحة أكبر من العملاء، مما سينعكس في شكل منتجات وخدمات قادرة على تلبية احتياجات الفئات المحرومة بشكل أفضل، بما في ذلك الأفراد الذين يعانون من أمراض مزمنة والمهاجرين وأصحاب المزارع الصغيرة. على سبيل المثال، من المرجح أن يتحمل الأفراد الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم تكاليف عالية بالنسبة لدخولهم المنخفضة. أما الآن وبفضل التقدم التكنولوجي، يمكن للأفراد التأهل لتخفيض الأقساط عن طريق اتباع عادات صحية وإتاحة الفرصة لشركات التأمين بمراقبة نشاط عملائها.  ومن خلال استخدام أجهزة استشعار بيو مترية يمكن ارتداؤها مثل Fit Bits، مما يتيح لشركات التأمين مراقبة ممارسات حامل وثائق التأمين ونشاطه وقياس درجاته الحرارية. وقريباً، ستصبح العدسات اللاصقة الذكية قادرة على مراقبة مستويات الجلوكوز وستصبح أجهزة الاستشعار قادرة على تتبع استهلاك العميل من الدواء والغذاء.

تأمين الجيب POCKET INSURANCE

زادت أهمية الهواتف المحمولة بشكل كبير بالنسبة لصناعة التأمين، فمن خلال الهاتف المحمول يمكن للمستهلكين شراء بعض المنتجات التأمينية، كما يمكن لشركات التأمين تحصيل الأقساط وتسريع عملية التحقق من المطالبات ومعالجتها وتسويق المنتجات. وأدى هذا إلى قلة الحاجة إلى مكاتب وموظفين، ولم تعد الحواجز المادية والمسافات عقبة أمام خدمة العملاء - مما أدى لانخفاض تكاليف التسويق والتشغيل، وزاد من قدرة شركات التأمين على التوسع، وتقديم خدمة أسرع، وبالتالي تقديم منتجات بأسعار معقولة وتسهيل الوصول إليها من قبل الأفراد المحرومين من خدمات التأمين.

كما تساعد الهواتف المحمولة على تسهيل مشاركة العملاء ذوي الدخول المرتفعة أيضاً وفقًا لكريستوف ماسشر، مدير العمليات بشركة أليانز، "كانت كيفية الوصول إلى أعلى قدر من التفاعل مع العملاء تمثل دائمًا تحدياً كبيراً لشركات التأمين. وقد أتاح لنا العصر الرقمي فرصاً لا حصر لها للاتصال بالعملاء. "

ومع التقدم في تكنولوجيا الأجهزة المحمولة، لعبت الهواتف المحمولة دورا متزايد الأهمية في تيسير الاتصال بين الشركة والعملاء. فعلى سبيل المثال، يمكن لشركات التأمين إرسال رسائل تذكيرية نصية إلى حاملي الوثائق لتحديث تفاصيل الحساب لضمان استمرار الحماية التأمينية.

ومن خلال تفاعلات أكثر تكرارا ومشاركة أفضل، يمكن لشركات التأمين بناء علاقات أقوى مع حاملي الوثائق، وزيادة رضا العملاء ومعدلات الاحتفاظ بهم، وتحسين نظرة الجمهور إلى منتجات وخدمات التأمين من خلال الاتصال المباشر، وفي نهاية المطاف زيادة الطلب على التغطيات التأمينية من قبل الطبقات التي كانت من قبل محرومة من خدمات التأمين.

رأي الاتحاد المصري للتأمين

هناك تفاؤل بشأن احتمالات تحقيق الشمول التأميني في الأسواق الناشئة نظرا للوتيرة الهائلة للابتكار وإمكانات السوق للتعلم من تلك الابتكارات، لكننا ندرك جيداً ضرورة التعاون بين جميع أطراف السوق من أجل تحقيق النجاح.

ولتحقيق النجاح في هذا العمل على نطاق واسع، نحتاج إلى أن نكون مدفوعين بعدة قناعات:

الأول: أن النتيجة يجب أن تخدم غرضين: الربحية المالية والتأثير الاجتماعي حيث فتحتاج صناعتنا إلى بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص لتثقيف شرائح العملاء غير المستفيدين من خدمات التأمين حول فوائد ومخاطر منتجات التأمين.

ثانياً: نحتاج إلى تغيير عقلياتنا وتغيير طريقتنا في التفكير. لا يمكننا ببساطة تقليص حجم المنتجات التقليدية. يجب أن نهتم أكثر بفهم حقيقة العملاء، وابتكار المنتجات المناسبة لهم. يجب أن نتحرك نحو خدمات ذات قيمة مضافة، وأن نتحول من مجرد كوننا دافع للتعويضات إلى كوننا   شريك لتمكين العملاء. نحن بصدد إنشاء سوق جديد، وليس الدخول في سوق حالي بطريقة مختلفة.

وهناك عددا من الإجراءات التي تقع على عاتق الإتحاد بالتعاون والتنسيق مع الهيئة العامة للرقابة المالية لتوعية شركات التأمين بأهمية الشمول التأمينى ولقد قام الاتحاد المصري للتأمين بتأسيس لجنة فنية للتأمين المستدام بالاتحاد وبعضوية الهيئة العامة للرقابة المالية حيث تقوم بوضع خطة عمل تتضمن:

·        كيفية وخطوات ادماج الشمول التأمينى في قطاع التأمين المصري.        

·    تنظيم لقاءات متخصصة لشركات التأمين في حوار بناء حول معنى وأهمية مبادئ الشمول التأمينى في قطاع التأمين المصري وزيادة وعي هذا القطاع ومواكبة التطورات العالمية في هذا الشأن.

ويقيم الاتحاد المصري للتأمين بالتعاون مع الاتحاد العام العربي للتأمين بتنظيم ندوة بعنوان "ندوة الشمول المالي والتأمين المستدام “والتي ستعقد خلال الفترة من 23-24 فبراير 2020.

Resources:

Inclusive Insurance: Closing the Protection Gap for Emerging Customers. Institute of International Financial

Emerging Markets to Drive Global Insurance Growth over Next Decade: Swiss Re’s Sigma

https://microensure.com/financial-inclusion-and-insurance-the-need-for-speed-and-simplicity/

Underserved Populations Have Access to Technology- Why Is No One Investing in Them?

How Technology Can Make Insurance More Inclusive? World Bank Group, FINANCE, COMPETITIVENESS & INNOVATION

GLOBAL PRACTICE, Fintech Note | No. 2