استمرار حوادث اصطدام السفن رغم تقدم تكنولوجيا الملاحة

مصدر الصورة GETTY IMAGES Image caption حادثة اصطدام السفينة الأمريكية "جون إس ماكين" بأخرى ليست الأخيرة في سلسلة حوادث تصادم السفن في البحار

 

رغم أن المحيطات شاسعة، والتكنولوجيا الملاحية متطورة، فإن الظروف لا تزال مواتية لوقوع حوادث تصادم السفن في المحيطات، مثل حادثة اصطدام ناقلة نفط بالمدمرة الأمريكية جون إس ماكين منذ أيام.

وتعد هذه الحادثة بارزة ومفجعة، كونها وقعت بعد شهرين فقط من وقوع حادثة مشابهة بشكل لافت للنظر، إذ اصطدمت المدمرة الأمريكية يو إس إس فيتزجيرالد بسفينة شحن ضخمة قبالة سواحل اليابان، وأسفر الحادث عن مقتل سبعة بحارة.

ورغم أن السفن التي اصطدمت في الحادثتين الأخيرتين ضخمة ومجهزة بأنظمة الرادار والملاحة على أعلى مستوى، فضلا عن وجود نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" لتعقب مكان السفن وتوافر الاتصالات اللاسلكية، فما زالت تقع حوادث الاصطدام من هذا النوع.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي أوجه الاحتياط التي يمكن أن نتخذها لتلافي وقوع كوارث من هذا النوع في المستقبل؟

هناك مقولة منتشرة في مجال ملاحة السفن مؤداها "مادمت تراقب الرادار وترصد الوضع في البحر لحظة بلحظة، فمن الممكن أن تتفادي حوادث التصادم". أي أنه على إدارة السفن ألا تعتمد على الأجهزة وحدها، وليس أفراد الطاقم فقط، في التحذير من احتمال وقوع تصادم وشيك. فعلى متن السفن التجارية، تكون غرف القيادة في بعض الأحيان خالية تماما من الأفراد ،وتنطلق صافرة الإنذار من جهاز الرادار، لتنبيه الشخص المكلف بمهمة المراقبة، أياً كان.

 

كما إن واقعة صدور تقرير واحد على الأقل يشير إلى احتمال تعمد خداع جهاز استقبال نظام تحديد المواقع العالمي، مما أثر على إحدى السفن في البحر الأسود في الأشهر الأخيرة، وقد أثار ذلك قلق بعض المراقبين من ضلوع بعض الدول في اختراق الأنظمة الملاحية للسفن بغية إبعادها عن مسارها.

ولا توجد بعد أدلة تثبت أن حادثتي الاصطدام الأخيرتين للسفينتين فيتزجيرالد وماكين قد نتجتا عن تعمد خداع نظام تحديد المواقع العالمي، رغم انتشار نظريات المؤامرة عبر الإنترنت. إلا أن هذا الاحتمال جدير بالدراسة ،فمما يثير الاستغراب هو وقوع حادثتين بهذا الحجم في غضون أشهر معدودة، وتتضمن كل منهما سفينة تابعة للبحرية الأمريكية

جدير بالذكر أن حوادث اصطدام السفن الضخمة تقع من وقت لأخر، وإن كان البعض منها ليس مثيرا بما يكفي لجذب الاهتمام الإعلامي.

وتشير تسويات التعويضات التي تدفعها شركات التأمين على السفن، أن المحققين الذين يتحرون عن أسباب وقوع الحوادث من هذا النوع يجدون في الغالب أن الخطأ البشري هو السبب الرئيسي في وقوعها وليس التخريب المتعمد.

وذلك بالرغم من حالات كثيرة ساهم فيها أفراد طاقم السفينة بالفعل في تفادي وقوع حوادث اصطدام وشيكة مع سفن أخرى.

لذا فعندما يقع خلل، من السهل أن ننحي باللائمة على ربان السفينة، ولكننا نغفل عن الإشادة به في كل مرة ينقذ فيها السفينة من ضرر محدق.

ولا تقتصر المخاطر التي تهدد السفن وطواقمها على حوادث الاصطدام، والدليل على ذلك حريق منذ فترة قريبة في إحدى السفن البريطانية "إم في تشيشير" المحملة بآلاف الأطنان من السماد، وظل الحريق مشتعلا لعدة أيام وجرفتها مياه البحر بالقرب من جزر الكناري. وساهمت مروحيات في إجلاء الطاقم من السفينة.

لقد باتت البحار أكثر اكتظاظا بالسفن، فضلا عن أن عدد السفن التجارية في العالم آخذ في الازدياد. وتشير إحصاءات الحكومة البريطانية إلى أن الأسطول التجاري البحري العالمي كان قوامه نحو 58 ألف سفينة في نهاية 2016، وفي حالة قياس حجم الأسطول بالوزن، سنجد أنه تضاعف منذ عام 2004.

كما أن الأزمة المالية سنة 2008، أدت إلى تقليص هامش الربح الذي تحققه الكثير من شركات الشحن، مما حدا بها إلى تقليل الإنفاق على طواقم السفن.

إن أي سفينة ضخمة تضم على متنها في الغالب خليطا من أشخاص يتحدثون لغات مختلفة، وينحدرون من قوميات متنوعة، ويتبعون إجراءات السلامة التي تختلف من بلد لأخر،وكل هذا يزيد من صعوبة الحفاظ على سلامة السفينة.

لذا ينبغي أن تبحث شركات الشحن عن أفراد طواقم من الأكفاء والحفاظ عليهم. وينبغي على الأفراد أن يتعرفوا على السفينة ويألفوها جيدا لأنها تعد جهازا معقدا".

لا شك أن من مصلحة الجميع تفادي وقوع حوادث التصادم لأسباب عديدة، على رأسها أن القوانين واللوائح الدولية تنص على أن كلا الطرفين يتحملان المسؤولية عن وقوع حوادث التصادم من هذا النوع.

وهذا يعني أن قباطنة السفن ملزمون بموجب القانون بتفادي الاصطدام بسفينة أخرى، حتى لو كانت سفينتهم لها الحق في البقاء في مسارها.

وهناك العديد من المحاولات التي تبذلها المنظمات الملاحية للتوصل إلى طرق للحد من احتمالات وقوع حوادث الاصطدام.

ومن بين هذه المحاولات فصل حركة مرور السفن، وهذا يعني تنسيق تدفق السفن التي تجتاز المضايق المزدحمة بعناية من خلال توجيهها صوب ممرات منفصلة في نفس الاتجاه على سبيل المثال.

ورغم أن الحوادث الأخيرة مثيرة للقلق، فإن هناك ما يدعونا للتفاؤل في مجال الشحن البحري، حيث أن عدد الخسائر الكلية، في حالة غرق السفينة، يتراجع عاما بعد عام.

ويقصد بالخسارة الكلية الاعتبارية أن تتجاوز قيمة التلف أو قيمة إصلاح الشيء الخاضع للتأمين، بحسب تقديرات شركة التأمين، قيمة وثيقة التأمين.

وبحسب بيانات إحدى شركات التأمين الكبرى، سُجلت 85 حالة خسائر كلية في السفن الضخمة عام 2016، لتحقق انخفاضا بنسبة 16% عن العام الماضي. ومن بين حالات الخسائر الكلية التي بلغت في مجملها 85 حالة، لم تنتج إلا حالة واحدة فقط عن الاصطدام.

وينص الشرط رقم 8 من شروط المجمع لتأمين السفن / مدة في 1/10/1983 الصادرة عن مجمع مكتتبي التأمين البحري بلندن على موافقة شركة التأمين على تعويض المؤمن له عن ثلاثة أرباع أى مبلغ أو مبالغ دفعها المؤمن له لأى شخص آخر أو أشخاص آخرين بسبب مسئوليته القانونية عن الأضرار نتيجة خسائر أو أضرار لأى سفينة أخرى أو ممتلكات على أى سفينة أخرى، أو التأخير أو فقد الاستعمال لأى سفينة أخرى أو الممتلكات على هذه السفينة الأخرى، وكذا العوارية العامة أو الإنقاذ أو الإنقاذ بموجب عقد لأى سفينة أخرى أو الممتلكات على هذه السفينة الأخرى، وذلك عندما يكون دفع المؤمن له لهذه المبالغ نتيجة لتصادم السفينة المؤمن عليها مع أى سفينة أخرى.

وذلك وفقاً للقواعد التالية:

·       عند تصادم السفينة المؤمن عليها مع سفينة أخرى ويكون هناك خطأ مشترك من السفينتين ،فانه ما لم يتم تحديد المسئولية القانونية لإحدى السفينتين أو كليهما وفقاً للقانون ، فان التعويض وفقاً لشرط 6 يتم حسابه على أساس المسئولية المتقابلة كما لو أن ملاك كل من السفينتين قد اضطروا لدفع نسبة من أضرار السفينة الأخرى المسموح بها فى تحديد الرصيد أو المبالغ من أو إلى المؤمن له نتيجة التصادم .

·       على أى حال فان إجمالى مسئولية المؤمنين فيما يتعلق بأى تصادم وفقاً للشروط  6/1 و6/2  لا تزيد عن حصصهم النسبية من ثلاثة أرباع القيمة المؤمنة للسفينة المؤمن عليها .

كما تلتزم شركة التأمين أيضاً بسداد ثلاثة أرباع المصاريف القضائية التى يسددها المؤمن له أو يضطر المؤمن له لدفعها بغرض رفض المسئولية أو اتخاذ الإجراءات لتحديد المسئولية، ويشترط دائماً الحصول على موافقة كتابية مسبقة من المؤمنين لتحمل هذه التكاليف، وأن المسئولية الكلية للمؤمنين بموجب شرط 6/3 لا تزيد (ما لم يكن هناك موافقة كتابية محددة من المؤمنين) عن 25٪ من القيمة المؤمن بها على السفينة المؤمن عليها.

دور الاتحاد

يهتم الاتحاد المصري لتأمين من خلال لجانه الفنية وفي هذه الحالة اللجنة العامة للتأمين البحري/وحدات بمتابعة الأحداث العالمية وما ينتج عنها من تقارير بهدف دراستها ووضع التوصيات التي يتم تمريرها لشركات التأمين أعضاء الاتحاد

·       لتوعية مكتتبي التأمين إلى الاهتمام بسجل الحوادث لأفراد الطاقم والإدارة وجنسيتهم والخبرة الخاصة بكل منهم.

·       كما يتم لفت انتباه العملاء سواء ملاك أو مديري أو مشغلي السفن لأهمية الاهتمام بنوعية طاقم السفينة ومدى تجانسهم تفهمهم للأجهزة الموجودة على السفينة.

ولا شك أن التطور التكنولوجي ساهم بطرق شتى في زيادة مستوى الأمان في مجال الشحن البحري، إلا أن حياة البحارة لا تزال تكتنفها المخاطر.

ومع تزايد أعداد السفن الضخمة التي تجوب بحار العالم، لم تتضاءل الحاجة لوجود رباننة لقيادة هذه السفن العملاقة، بل لقد زادت أهمية وجودهم على متن هذه السفن أكثر من أي وقت مضى.

كاتحاد لشركات التأمين يعمل منها في التأمين البحري نوصي مالكي ومشغلي السفن البحرية وكذا الوحدات النهرية والساحلية بالحصول على المشورة من شركات التأمين وهيئات التصنيف الخاصة بالسفن ويراعي الامتثال للوائح الصادرة عن مكاتب التفتيش البحري بالنسبة للعدد المناسب للطاقم والخبرة المطلوبة من كل منهم كلما كان ذلك في الإمكان.